شهدت العلاقات السعودية الصينية في السنوات الأخيرة تعميقا متزايدا في مجال التقنية الحيوية، مما يضخ حيوية جديدة في تحسين رفاهية شعبي البلدين وتعزيز التنمية الاقتصادية المتنوعة. تسعى المملكة العربية السعودية، في إطار “رؤية 2030″، إلى أن تصبح مركزا للتقنية الحيوية في الشرق الأوسط والعالم؛ بينما تنهض الصين بسرعة لتصبح قوة عالمية في هذا المجال بفضل الابتكار التكنولوجي، وحجم سوقها، والدعم السياسي المتواصل.
في 25 يناير 2024، أطلق الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، الاستراتيجية الوطنية للتقنية الحيوية، التي تهدف إلى تحسين الصحة الوطنية ورفع مستوى جودة الحياة، بالإضافة إلى حماية البيئة وتحقيق الأمن الغذائي والمائي، وتعظيم الفرص الاقتصادية وتوطين الصناعات الواعدة. تركز هذه الاستراتيجية على أربعة توجهات استراتيجية وهي: اللقاحات، والتصنيع الحيوي والتوطين، والجينوم، وتحسين زراعة النباتات، بهدف أن تصبح السعودية رائدة في مجال التقنية الحيوية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بحلول عام 2030، وأن تبرز كمركز عالمي مهم للتقنية الحيوية بحلول عام 2040. وتعتمد المملكة على استثمارات رأس المال القوية، والدعم الحكومي، وقاعدة جينية فريدة لتحقيق هذه الأهداف.
في مجال التقنية الحيوية، تشهد الشراكة بين الصين والسعودية ذروة جديدة. ففي مؤتمر بكين–السعودية للصناعات الدوائية والصحية الذي عقد في ديسمبر 2024، توصلت الشركات من كلا البلدين إلى تعاون في 23 مشروعا بقيمة إجمالية تزيد عن 50 مليون دولار أمريكي. وأكد وزير الصحة السعودي، فهد الجلاجل، أن التعاون في مجالات الصحة والتقنيات الطبية قد وصل إلى مستوى أعمق، مع توقعات بمزيد من الشراكات لدعم الابتكار والتنمية المستدامة في القطاع الصحي.
تدعم الحكومة السعودية تنمية الصناعة الدوائية المحلية عبر سياسات تشجيعية مثل تحسين إجراءات الموافقة، وتقديم حوافز للإنتاج المحلي، لجذب الاستثمار الأجنبي والتقنيات المتقدمة إلى السوق السعودي. بدأت الشركات الصينية، وعلى رأسها مجموعة سينوفارم (Sinopharm)، وبي جي آي (BGI Genomics)، وبايجين (BeiGene)، التعاون مع الشركاء السعوديين في البحث والتطوير المشترك، ونقل التقنية، والإنتاج المحلي، مما يضع أساسا متينا للتنمية طويلة الأجل في مجال الأدوية في البلدين.
لا تقتصر جهود السعودية على توسيع نطاق الخدمات الطبية فحسب، بل تمتد إلى تحسين جودتها عبر التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي. في 10 ديسمبر 2024، وقّعت وزارة الصحة السعودية مذكرة تفاهم مع شركة هواوي (Huawei)، تغطي خمسة مجالات تشمل المنصة الرقمية الوطنية للرعاية الصحية والتشخيص الطبي بواسطة الذكاء الاصطناعي ومختبرات الابتكار الطبي، مما يمثل خطوة هامة نحو التحول الرقمي في القطاع الصحي بالمملكة. كما نجحت الشركة المشتركة بين شركة (GENERAL HEALTHY) ومجموعة عجلان وإخوانه القابضة في تنفيذ مشروع خزائن الأدوية الذكية في مستشفى “دلة”، ما رفع كفاءة إدارة الأدوية.
تشدد الاستراتيجية الوطنية للتقنية الحيوية السعودية على توطين التصنيع الحيوي لتقليل الاعتماد على الواردات وتلبية الاحتياجات المحلية. وتخطط الشركة المشتركة بين هينريكس (Henlius) و”SVAX” لإنتاج وتسويق الأدوية البيولوجية المبتكرة في المملكة، بينما تدعم شراكة (BGI Genomics) مع نوبكو (Nupco) توطين خدمات الفحوصات الجينية.
أشار الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى أن صناعة الأدوية البيولوجية هي صناعة ناشئة استراتيجية تتعلق بالاقتصاد الوطني ومعيشة الشعب. إن التعاون بين الصين والمملكة العربية السعودية في مجالات مثل تطوير اللقاحات، والتصنيع الحيوي، وعلم الجينوم، والرعاية الصحية الرقمية، لا يسرع فقط من تحويل وتطبيق الإنجازات التكنولوجية، بل يوفر أيضًا خدمات رعاية صحية أفضل وضمانات صحية لشعبي البلدين. عند ملتقى “رؤية السعودية 2030” ومبادرة “الحزام والطريق”، يتقدم التعاون السعودي الصيني في مجال التقنية الحيوية بسرعة، مضيئا طريق صحة الشعب بنور التكنولوجيا، ودافعا مستقبلا جديدا للتقنية الحيوية العالمية بقوة التعاون.
الكاتبة :
تيان جيانينغ
إعلامية صينية من قناة CGTNArabic
T_Jahra@